كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولكن هذا كله ليس قيمة ثابتة باقية. إنما هو متاع. متاع محدود الأجل. لا يرفع ولا يخفض، ولا يعد بذاته دليل كرامة عند الله أو مهانة؛ ولا يعتبر بذاته علامة رضى من الله أو غضب. إنما هو متاع.
{وما عند الله خير وأبقى}.. خير في ذاته. وأبقى في مدته. فمتاع الحياة الدنيا زهيد حين يقاس إلى ما عند الله، ومحدود حين يقاس إلى الفيض المنساب. ومتاع الحياة الدنيا معدود الأيام. أقصى أمده للفرد عمر الفرد، وأقصى أمده للبشرية عمر هذه البشرية؛ وهو بالقياس إلى أيام الله ومضة عين أو تكاد.
وبعد تقرير هذه الحقيقة في بيان صفة المؤمنين الذين يذخر الله لهم ما هو خير وأبقى..
ويبدأ بصفة الإيمان.
{وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا}.. وقيمة الإيمان أنه معرفة بالحقيقة الأولى التي لا تقوم في النفس البشرية معرفة صحيحة لشىء في هذا الوجود إلا عن طريقها. فمن طريق الإيمان بالله ينشأ إدراك لحقيقة هذا الوجود، وأنه من صنع الله؛ وبعد إدراك هذه الحقيقة يستطيع الإنسان أن يتعامل مع الكون وهو يعرف طبيعته كما يعرف قوانينه التي تحكمه. ومن ثم ينسق حركته هو مع حركة هذا الوجود الكبير، ولا ينحرف عن النواميس الكلية، فيسعد بهذا التناسق، ويمضي مع الوجود كله إلى بارئ الوجود في طاعة واستسلام وسلام. وهذه الصفة لازمة لكل إنسان، ولكنها ألزم ما تكون للجماعة التي تقود البشرية إلى بارئ الوجود.
وقيمة الإيمان كذلك الطمأنينة النفسية، والثقة بالطريق، وعدم الحيرة أو التردد، أو الخوف أو اليأس. وهذه الصفات لازمة لكل إنسان في رحلته على هذا الكوكب؛ ولكنها ألزم ما تكون للقائد الذي يرتاد الطريق، ويقود البشرية في هذا الطريق.
وقيمة الإيمان التجرد من الهوى والغرض والصالح الشخصي وتحقيق المغانم. إذ يصبح القلب متعلقًا بهدف أبعد من ذاته؛ ويحس أن ليس له من الأمر شيء، إنما هي دعوة الله، وهو فيها أجير عند الله! وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن توكل إليه مهمة القيادة كي لا يقنط إذا أعرض عنه القطيع الشارد أو أوذي في الدعوة؛ ولا يغتر إذا ما استجابت له الجماهير، أو دانت له الرقاب. فإنما هو أجير.
ولقد آمنت العصبة الأولى من المسلمين إيمانًا كاملًا أثر في نفوسهم وأخلاقهم وسلوكهم تأثيرًا عجيبًا. وكانت صورة الإيمان في نفس البشرية قد بهتت وغمضت حتى فقدت تأثيرها في أخلاق الناس وسلوكهم، فلما أن جاء الإسلام أنشأ صورة للإيمان حية مؤثرة فاعلة تصلح بها هذه العصبة للقيادة التي وضعت على عاتقها.
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين). عن هذا الإيمان:
انحلت العقدة الكبرى عقدة الشرك والكفر فانحلت العقد كلها؛ وجاهدهم الرسول جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي؛ وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة؛ وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى.
حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم، وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، وفي اليوم رجال الغد، لا تجزعهم مصيبة، ولا تبطرهم نعمة، ولا يشغلهم فقر، ولا يطغيهم غنى، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادا، وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم، قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسهم أو الوالدين والأقربين.. وطأ لهم أكناف الأرض، وأصبحوا عصمة للبشرية، ووقاية للعالم. وداعية إلى دين الله.
ويقول عن تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول:
كان الناس عربًا وعجمًا يعيشون حياة جاهلية، يسجدون فيها لكل ما خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم، لا يثيب الطائع بجائزة، ولا يعذب العاصي بعقوبة، ولا يأمر ولا ينهى؛ فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم، ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم. كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لأناس خلع عليهم خلعة الربوبية؛ فأخذوا بأيديهم أزمة الأمر، وتولوا إدارة المملكة وتدبير شؤونها وتوزيع أرزاقها، إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة.
فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية، وكان إيمانهم بالله، وإحالتهم خلق السماوات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ، يقال له: من بني هذا القصر العتيق؟ فيسمي ملكا من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه ويخضع له؛ فكان دينهم عاريًا عن الخشوع لله ودعائه، وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم، فكانت معرفتهم مبهمة غامضة، قاصرة مجملة، لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة..
انتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة عميقة واضحة روحية ذات سلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح، ذات تأثير في الأخلاق والاجتماع، ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها. آمنوا بالله الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى. آمنوا برب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، العزيز، الحكيم، الغفور، الودود، الرؤوف، الرحيم، له الخلق والأمر، بيده ملكوت كل شيء، يجير ولا يجار عليه.. إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه. يثيب بالجنة ويعذب بالنار، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، يعلم الخبء في السماوات والأرض، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه. فانقلبت نفسيتهم بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلابًا عجيبا. فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهرًا لبطن. تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره، وجرى منه مجرى الروح والدم، واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها. وغمر العقل والقلب بفيضانه، وجعل منه رجلًا غير الرجل، وظهر منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة، ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما حير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق، ولا يزال موضع حيرة ودهشة منه إلى الأبد، وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق.
وكان هذا الإيمان مدرسة خلقية وتربية نفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية من صرامة إرادة وقوة نفس، ومحاسبتها والإنصاف منها، وكان أقوى وازع عرفه تاريخ الأخلاق وعلم النفس عن الزلات الخلقية والسقطات البشرية؛ حتى إذا جمحت السورة البهيمية في حين من الأحيان، وسقط الإنسان سقطة وكان ذلك حيث لا تراقبه عين، ولا تتناوله يد القانون، تحول هذا الإيمان نفسًا لوامة عنيفة، ووخزًا لاذعًا للضمير، وخيالًا مروعًا، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة، ويتحملها مطمئنًا مرتاحًا، تفاديا من سخط الله وعقوبة الآخرة..
... وكان هذا الإيمان حارسًا لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته، يملك نفسه النّزع أمام المطامع والشهوات الجارفة؛ وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراه أحد، وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحدا.
وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم، وأداء الأمانات إلى أهلها، والإخلاص لله، ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره، وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان، ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان.
وكانوا قبل هذا الإيمان في فوضى من الأفعال والأخلاق والسلوك والأخذ والترك والسياسة والاجتماع، لا يخضعون لسلطان، ولا يقرون بنظام، ولا ينخرطون في سلك، يسيرون على الأهواء، ويركبون العمياء، ويخبطون خبط عشواء. فأصبحوا الآن في حظيرة الإيمان والعبودية لا يخرجون منها، واعترفوا لله بالملك والسلطان، والأمر والنهي، ولأنفسهم بالرعوية والعبودية والطاعة المطلقة، وأعطوا من أنفسهم المقادة، واستسلموا للحكم الإلهي استسلامًا كاملًا ووضعوا أوزارهم، وتنازلوا عن أهوائهم وأنانيتهم، وأصبحوا عبيدًا لا يملكون مالًا ولا نفسًا ولا تصرفًا في الحياة إلا ما يرضاه الله ويسمح به، لا يحاربون ولا يصالحون إلا بإذن الله، ولا يرضون ولا يسخطون، ولا يعطون ولا يمنعون، ولا يصلون ولا يقطعون إلا بإذنه ووفق أمره.
وهذا هو الإيمان الذي تشير إليه الآية وهي تصف الجماعة التي اختيرت لقيادة البشرية بهذه العقيدة. ومن مقتضيات هذا الإيمان التوكل على الله. ولكن القرآن يفرد هذه الصفة بالذكر ويميزها:
{وعلى ربهم يتوكلون}..
وهذا التقديم والتأخير في تركيب الجملة يفيد قصر التوكل على ربهم دون سواه. والإيمان بالله الواحد يقتضي التوكل عليه دون سواه. فهذا هو التوحيد في أول صورة من صوره. إن المؤمن يؤمن بالله وصفاته، ويستيقن أنه لا أحد في هذا الوجود يفعل شيئا إلا بمشيئته، وأنه لا شيء يقع في هذا الوجود إلا بإذنه. ومن ثم يقصر توكله عليه، ولا يتوجه في فعل ولا ترك لمن عداه.
وهذا الشعور ضروري لكل أحد، كي يقف رافع الرأس لا يحني رأسه إلا لله. مطمئن القلب لا يرجو ولا يرهب أحدا إلا الله. ثابت الجأش في الضراء؛ قرير النفس في السراء، لا تستطيره نعماء ولا بأساء.. ولكن هذا الشعور أشد ضرورة للقائد، الذي يحتمل تبعة ارتياد الطريق.
{والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش}..
وطهارة القلب، ونظافة السلوك من كبائر الإثم ومن الفواحش، أثر من آثار الإيمان الصحيح. وضرورة من ضرورات القيادة الراشدة. وما يبقى قلب على صفاء الإيمان ونقاوته وهو يقدم على كبائر الذنوب والمعاصي ولا يتجنبها. وما يصلح قلب للقيادة وقد فارقه صفاء الإيمان وطمسته المعصية وذهبت بنوره.
ولقد ارتفع الإيمان بالحساسية المرهفة في قلوب العصبة المؤمنة، حتى بلغت تلك الدرجة التي أشارت إليها المقتطفات السابقة (ص77) وأهلت الجماعة الأولى لقيادة البشرية قيادة غير مسبوقة ولا ملحوقة.
ولكنها كالسهم يشير إلى النجم ليهتدي به من يشاء في معترك الشهوات!
والله يعلم ضعف هذا المخلوق البشري، فيجعل الحد الذي يصلح به للقيادة، والذي ينال معه ما عند الله، هو اجتناب كبائر الإثم والفواحش. لا صغائر الإثم والذنب. وتسعه رحمته بما يقع منه من هذه الصغائر، لأنه أعلم بطاقته. وهذا فضل من الله وسماحة ورحمة بهذا الإنسان؛ توجب الحياء من الله، فالسماحة تخجل والعفو يثير في القلب الكريم معنى الحياء.
{وإذا ما غضبوا هم يغفرون}..
وتأتي هذه الصفة بعد الإشارة الخفية إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه، فتحبب في السماحة والمغفرة بين العباد. وتجعل صفة المؤمنين أنهم إذا ما غضبوا هم يغفرون.
وتتجلى سماحة الإسلام مرة أخرى مع النفس البشرية؛ فهو لا يكلف الإنسان فوق طاقته. والله يعلم أن الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته. وهو ليس شرًا كله. فالغضب لله ولدينه وللحق والعدل غضب مطلوب وفيه الخير. ومن ثم لا يحرم الغضب في ذاته ولا يجعله خطيئة. بل يعترف بوجوده في الفطرة والطبيعة، فيعفي الإنسان من الحيرة والتمزق بين فطرته وأمر دينه. ولكنه في الوقت ذاته يقوده إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذا صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة. هذا مع أنه عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يغضب لنفسه قط، إنما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء. ولكن هذه درجة تلك النفس المحمدية العظيمة؛ لا يكلف الله نفوس المؤمنين إياها. وإن كان يحببهم فيها. إنما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب، والعفو عند القدرة، والاستعلاء على شعور الانتقام، ما دام الأمر في حدود الدائرة الشخصية المتعلقة بالأفراد.
{والذين استجابوا لربهم}..
فأزالوا العوائق التي تقوم بينهم وبين ربهم. أزالوا هذه العوائق الكامنة في النفس دون الوصول. وما يقوم بين النفس وربها إلا عوائق من نفسها.. عوائق من شهواتها ونزواتها. عوائق من وجودها هي وتشبثها بذاتها. فأما حين تخلص من هذا كله فإنها تجد الطريق إلى ربها مفتوحًا وموصولا. وحينئذ تستجيب بلا عائق. تستجيب بكلياتها. ولا تقف أمام كل تكليف بعائق من هوى يمنعها.. وهذه هي الاستجابة في عمومها.. ثم أخذ يفصل بعض هذه الاستجابة:
{وأقاموا الصلاة}..
وللصلاة في هذا الدين مكانة عظمة، فهي التالية للقاعدة الأولى فيه. قاعدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وهي صورة الاستجابة الأولى لله. وهي الصلة بين العبد وربه. وهي مظهر المساواة بين العباد في الصف الواحد ركعًا سجدًّا، لا يرتفع رأس على رأس، ولا تتقدم رجل على رجل!
ولعله من هذا الجانب أتبع إقامة الصلاة بصفة الشورى قبل أن يذكر الزكاة:
{وأمرهم شورى بينهم}.
والتعبير يجعل أمرهم كله شورى، ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة.
وهو كما قلنا نص مكي. كان قبل قيام الدولة الإسلامية. فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين. إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد.
والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية. والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.
ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكرًا، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها. إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية. وهي من ألزم صفات القيادة.
أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوبًا في قالب حديدي؛ فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان، لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية. والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالًا جامدة، وليست نصوصًا حرفية، إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب، وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة. والبحث في أشكال الأنظمة الإسلامية دون الاهتمام بحقيقة الإيمان الكامنة وراءها لا يؤدي إلى شيء.. وليس هذا كلامًا عائمًا غير مضبوط كما قد يبدو لأول وهلة لمن لا يعرف حقيقة الإيمان بالعقيدة الإسلامية. فهذه العقيدة في أصولها الاعتقادية البحتة، وقبل أي التفات إلى الأنظمة فيها تحوي حقائق نفسية وعقلية هي في ذاتها شيء له وجود وفاعلية وأثر في الكيان البشري، يهيئ لإفراز أشكال معينة من النظم وأوضاع معينة في الحياة البشرية؛ ثم تجيء النصوص بعد ذلك مشيرة إلى هذه الأشكال والأوضاع، لمجرد تنظيمها لا لخلقها وإنشائها. ولكي يقوم أي شكل من أشكال النظم الإسلامية، لا بد قبلها من وجود مسلمين، ومن وجود إيمان ذي فاعلية وأثر. وإلا فكل الأشكال التنظيمية لا تفي بالحاجة، ولا تحقق نظامًا يصح وصفه بأنه إسلامي..